المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

 

أما بعد: فإن القرآن الكريم هو رسالةُ اللهِ الخالدة, ومعجزتُه الدائمة, وهو نورُ الأبصارِ والبصائر, وهدايةٌ وحكمةٌ لكلِّ حائر, وهو خيرُ صديقٍ وأنيس, وأعزُ حبيبٍ وجليس, لا يُمَلُّ حديثُه, ولا تنقضي عجائبه, وتلاوتُه للصدور شفاء, ولا يشبعُ منه العلماء .

وإن الله تعالى قد تعهد بحفظ كتابه حيث قال جل شأنه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)) [الحجر: ٩] .  وأورثه صفوة خلقه لعظمة القرآن ومكانته فقال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)   [فاطر: ٣٢] .  وقد حث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تلاوته. فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ، وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ».([1]) وَالْبَطَلَةَ: السَّحَرَةُ .

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ» ([2]) .

 

ولما كان قارئ القرآن بحاجة ضرورية إلى ضبط متشابهاته, وذلك ليسهل عليه قراءة ورده اليومي, رأيت أن أساهم في خدمة القرآن الكريم بهذا العمل المتواضع, وذلك بجمع الآيات المتشابهات في ألفاظها, وأضعها أمام القارئ مترابطة لينظر الفرق بينها, فيعرف مواضعها والفرق بينها, فلا يلتبس عليه التشابه بين الآيات, وسميته: “ضبط المتشابهات في الربط بين الآيات“. وقد ذكرت فيه التشابه بين أوائل السور, ثم أوائل الأجزاء الثلاثون, ثم الآيات المتشابهات في أثناء السور, وإتماماً للفائدة ذكرت السجدات في القرآن, المتفق عليها والمختلف فيها, وقد رتبت المواضع حسب قراءة ختمة القرآن الكريم, فذكرت الموضع الأول عند سورته وربطته مع ما يشابهه من السور التي تليه, ليكون أسهل في الربط بينها, ولم أتعرض لذكر المتشابهات التي تقع في الصفحة الواحدة من القرآن, أو الصفحتين أو الثلاث المتتاليات, مثل ما ورد في سورة الشعراء والنمل وآيات سورة الروم وغيرها, فهذا لا يخفى على الحافظ والقارئ, والله المستعان والموفق .

وأقول لقارئ القرآن إن هذا الكتاب, وأمثاله من الكتب التي ألفت في ذكر متشابهات القرآن, لا تغني عن تلاوة القرآن والمداومة عليه, والمحافظة على قراءة الورد اليومي دون تباطئ, فهذه الكتب ما هي إلا لتعين القارئ على ضبط متشابهات القرآن الكريم فيسهل عليه المراجعة, التي لا تنقطع ولا تفارقه يوما, وذلك لأمور هامة يجب أن ينتبه إليها القارئ حتى لا يغفل عن ورده ولا يهمله, منها:

  • أن الله تعالى حث على تلاوة القرآن وبين فضله فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30)) [فاطر: ٢٩ – ٣٠] .

وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (57))  [يونس: ٥٧] .

 

  • أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أمته وحثهم على تعاهد القرآن حتى لا يتعرض للنسيان, فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «تَعَاهَدُوا هَذَا الْقُرْآنَ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنَ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا»([3])

 

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ – قَالَ هِشَامٌ: وَهُوَ شَدِيدٌ عَلَيْهِ. قَالَ شُعْبَةُ: وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ – فَلَهُ أَجْرَانِ “: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»([4])

 

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” المُؤْمِنُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ: كَالأُتْرُجَّةِ، طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَرِيحُهَا طَيِّبٌ، وَالمُؤْمِنُ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ، وَيَعْمَلُ بِهِ: كَالتَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلاَ رِيحَ لَهَا، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ: كَالرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ: كَالحَنْظَلَةِ، طَعْمُهَا مُرٌّ – أَوْ خَبِيثٌ – وَرِيحُهَا مُرٌّ “. ([5])

 

وَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَ: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ». ([6])

 

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ” لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ” ([7])

 

وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا»([8])

والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة ومفيدة, رزقنا الله وإياكم العمل بها والمحافظة على وصاياها وأحكامها.

 

أسال الله تعالى أن يتقبل منا هذا العمل, وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم, وأن ينفع به أهل القرآن وحفَّاظه, وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم القيامة, وأن يجازي مشايخنا ووالدينا عنا خير الجزاء, إنه ولي ذلك والقادر عليه.

كما أسأله سبحانه أن يجعلنا من أهل القرآن وخاصته, وأن يجعلنا من العاملين به, القائمين على حدوده, وأن يرزقنا هدي سنة خير الأنام صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وأن يرزقنا شفاعته يوم القيامة, وأن يرزقنا الفردوس من الجنة, إنه سميع الدعاء, فهو حسبي ونعم الوكيل, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

كتبه وأعده

                                              د/ نادي بن حداد القط

([1])صحيح مسلم (1/ 553) باب فضل قراءة القرآن, وسورة البقرة .

([2])سنن الترمذي تحقيق, أحمد شاكر (5/ 175)

([3])صحيح مسلم (1/ 545), باب الأمر بتعهد القرآن .

([4])صحيح البخاري (6/ 166) سنن الترمذي تحقيق أحمد شاكر (5/ 171) سنن الدارمي (4/ 2120)

([5])صحيح البخاري (6/ 198) صحيح مسلم (1/ 549) السنن الكبرى للنسائي (7/ 284) سنن النسائي (8/ 124)

([6])صحيح مسلم (1/ 559) سنن الدارمي (4/ 2119) السنن الكبرى للبيهقي (3/ 127)

([7])سنن الترمذي ت شاكر (4/ 330) صحيح البخاري (9/ 154) صحيح مسلم (1/ 558) السنن الكبرى للنسائي (7/ 280)

([8])السنن الكبرى للنسائي (7/ 272) السنن الكبرى للبيهقي (2/ 77)