قال الأمام الشاطبي رحمه الله تعالى :
1 | الحمدُ للهِ مَوْصُولاً كما أمـَرَا |
مباركاً طيباً يَسْـتَـنْـزِلُ الدِّرَرَا
|
الحمد لله (أي) الشكر لله .موصولاً (أي) مستداما .كما أمرا .أي : حمداً دائما كما أمر ربنا في قوله (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) [النمل: ٥٩]. مباركا طيبا . أي : زائداً حسناً . أي حمدا كثيرا مباركا فيه . يستنزل الدررا : الدرر : جمع درة وهي الصبة من المطر قال تعالى : (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا) [نوح: ١١].
2 | ذو الفضلِ والمنِّ والإحْسَانِ خَالِقُنَا
|
ربُّ العبادِ هو اللهُ الذى قَهَرَا
|
أي صاحب الفضل .وهو الجود والكرم . قال تعالى : (وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [البقرة: ١٠٥ ]. والمن : الإنعام . يقال: من عليه أي:أنعم عليه. قال تعالى : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ) [الصافات: ١١٤ ].
والإحسان: الإفضال . والخالق : الذي قدر خلق الأشياء قبل إيجادها قال تعالى (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) [الفرقان: ٢ ]. ورب العباد: مالكهم وسيدهم . وقهرا:غلب قال تعالى ( وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ ) [الأنعام: ١٨].
3 | حىٌ عليمٌ قديرٌ والكلامُ لـهُ
|
فردٌ سميعٌ بصيرٌ ما أرادَ جَرَى
|
جمع الناظم في هذا البيت صفات الله تعالى السبع وهي : صفات معنوية لأنها تقتضى حصول معانيها عند أهل السنة . فالله حي حياة قائمة بذاته,عليم علم قائم بذاته , قدير قدرة قائمة بذاته , متكلم كلام قائم بذاته , فرد أي وتر واحد لا شريك له , سميع سمع قائم بذاته , بصير بصر قائم بذاته , مريد إرادة قائمة بذاته .
وقدم الناظم الحياة لأنها شرط لحصول جميع الصفات.وهي صفة تخالف صفات كل حي ، لأن كل حي سيموت والله حي لا يموت. قال تعالى (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) [الفرقان: ٥٨].
4 | أحمدُهُ وهُوَ أهْلُ الحمدِ مُعتَمِداً
|
عليهِ مُعْتَصِماً بهِ ومُنْتَصِرا جج |
أى:أحمد الله تعالى , وهو أهل الحمد , أى:مستحقه فهو المنعم بجميع النعم , معتمدا عليه أى : متوكلاً عليه قال تعالى(وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المائدة: ١١ ]. معتصما به أى : ألوذ به وبقوته من نزغات الشيطان . (وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ) [المؤمنون: ٩٧ ].
ومنتصرا أى:طالب النصر منه قال تعالى(وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ) [آل عمران: ١٥٠]. قال تعالى ( وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ ) [الأنفال: ١٠].
5 | ثمَّ الصلاةُ على مُحَـمَّدٍ وعلى
|
أشياعِهِ أبداً تَنْدَى نَداً عَطِرا
|
بعد أن حمد الله تعالى , وصلى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم , وعلى أشياعه أي : أتباعه وأنصاره. أبدا أي : صلاة دائما . تندى نداً عطراً أي : تبتل بللا طيب الرائحة . والعطر: الذي يفوح منه العطر . قال تعالى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)[فاطر: ١٠].
6 | وبعدُ فالمستعانُ اللهُ فى سَـبَبٍ ج |
يهدِى إِلى سَنَنِ المَرْسُومِ مُخْتَصَرا جججج |
وبعد أن حمد الله تعالى , وصلى على النبي محمد صلى الله عليه وسلم , وأتباعه . طلب العون من الله تعالى في تحصيل سبب . أي : نظم يتوصل بهدايته إلى طريق الخط المرسوم في المصاحف الأئمة . والسنن : الطريق . ومختصرا أي : السبب والطريق . ليس المرسوم لأن المرسوم توقيفي محدود لا يصح تطويله ولا اختصاره .
7 | عِلْقٌ عَلائِقُهُ أَوْلَى الـعلائِقِ إِذْ جججججج |
خيرُ القرونِ أقاموا أصْلَهُ وَزَرَا جج |
العلق :النفيس من كل شئ , وجمعه : أعلاق . والعلائق : ما يتعلق به المرء من علم وتجارة وغيرذلك . وأولى : أحق وأجدر . والمعنى : علم المرسوم علم نفيس من بين العلوم . لأن أفضل القرون وهم قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا أصله . لأنهم أول من كتب القرآن , وجاء في الحديث (خير الناس قرني).([1]) ووزرا . الوزر : الملجأ . أي : جعلوه للناس ملجأ يرجعون إليه .
8 | وكلُ مافيهِ مشهورٌ بسُـنَّتِهِ ج |
ولَمْ يُصِبْ مَنْ أضافَ الوَهْمَ والغِيَرَا
|
وكل ما في القرآن من مرسوم مشهور. أي : متواتر في النقل , مأثور في السنة مستفيض بين الأمة.
وقوله : ولم يصب : إشارة إلى قول الملحدة : أن القرآن العزيز غيّره الذين كتبوه وحرّفوه عن هيئة إنزاله وحالة كماله , وزادوا فيه ونقصوا منه . أي : قولهم غير صائب لأن معرفة القرآن ليست راجعة إلى المصحف المكتوب وحده . بل وإلى حفظ القلوب والصدور جميعاً . فلا يصح مع اشتهاره وتوفر نقلته وكثرة حفاظه أن يكون فيه وهم , أو تغيير . فما قالوه باطل , وفساد قولهم ظاهر . قال تعالى (نَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: ٩].
9 | ومنْ روَى سَتُقيمُ العُرْبُ أَلْسُنُهَا
|
لَحْناً بهِ قولَ عُثْمانٍ فمَا شُهِرَا
|
يقول إن الحديث المروي عن عثمان رضي الله عنه ما شهر . أي : ما اشتهر . لحنا به . الضمير يعود على المصحف . قال أبو عمرو الداني في كتابه المقنع عن يحيى بن يعمر وعكرمة عن عثمان رضي الله عنه : إن المصاحف لما نسخت وعرضت عليه فوجد فيها حروفاً من اللحن . فقال : اتركوها فإن العرب ستقيمها بلسانها .
وهذا الحديث غير صحيح ومختلط في إسناده , مضطرب في ألفاظه . لان ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان رضي الله عنه شيئا , ولا رأياه . وظاهره ينفي وروده عن عثمان رضي الله عنه . لما فيه من الطعن عليه في منصبه ونصيحته للمسلمين وهو إمامهم . وكذلك الذين تولّوا جمعه وكتابته وهم الأخيار . كيف يتركوا لحناً يقيمه غيرهم , ومنهم كتّاب الوحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
10 | لوْ صَحَّ لاحْتَمَلَ الإيماءَ فى صُـوَرٍ
|
فيهِ كَلَحْنِ حديثٍ ينْثُرُ الدُّرَرَا
|
أشار إلى قول أبي عمرو الداني في المقنع : فما وجه ذلك لو صح عن عثمان رضي الله عنه ؟ قال : وجهه أن يكون أرد باللحن المذكور فيه : التلاوة دون الرسم . فإن كثراً منه لو تلي على حال رسمه لتغيرت ألفاظه . انتهى كلامه .
وقد تأول قوم اللحن الذي في حديث عثمان رضي الله عنه . على تقدير صحة ذلك عنه : بالرمز والإيماء والإشارة . فيحتمل أن يكون معنى الإيماء في صور من القرآن نحو (الْكِتَابُ – الصَّابِرِينَ) وما أشبه ذلك . ومن ذلك (وَالصَّلَاةِ ۚ – ٱلْحَيَوٰةُ)والدرر : جمع درة . وهي : اللؤلؤة.
11 | وقيلَ معْناهُ فى أشياءَ لو قُرِئَتْ
|
بظاهرِ الخطِّ لا تَخْفى عَلَى الكُبَرَا
|
|
12 | لاَ أوْضَعُوا وجَزَاؤُا الظَّالمينَ لاَ أَذْ
|
بَحَنَّهُ وَبِأَيْدٍ فَافْهَمِ الخَبَرَا
|
يقول : إن من الناس من تأول اللحن في قول عثمان رضي الله عنه . على تقدير القراءة بظاهر الخط في مواضع من القرآن منها (وَلَأَوْضَعُوا)[التوبة: ٤٧ ]. فلو قرئت بظاهر الخط لقيل : لا كما يؤتى بلا النافية ثم يقول بعدها أوضعوا لأنها مرسومة كذلك في أكثر المصاحف كما ذكر ذلك السخاوي .
وكذلك رسموا (جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) [المائدة: ٢٩ ]. بعد الزاي ألفا بعدها واو , وبعد الواو ألفا . ورسموا (لَأَذْبَحَنَّهُ) النمل: ٢١مثل (وَلَأَوْضَعُوا) في أكثر المصاحف وكتبوا (بِأييْدٍ) [الذاريات: ٤٧ ]. بألف بعد الباء , وبياءين قبل الدال . وكذلك(ٱلرِّبَوٰاْ) و(وَالصَّلَاةِ ۚ) (سَأُوْرِيكُمْ)وغير ذلك . فافهم الخبرا . أى : فافهم وعي هذا التأويل .
13 | واعلمْ بأنَ كتابَ اللهِ خُصَ بما
|
تاهَ البريةُ عَنْ إتيانهِ ظُهرا
|
يقول إن القرآن قد خص بإعجاز البرية عن الإتيان بمثله . ظُهرا أي : ظهراء . جمع ظهير , وحذفت الهمزة للقافية . والظهير المعين . قال تعالى ( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء: ٨٨ ].
والذي خص به القرآن هو فصاحته , وبلاغته . وقوله : تاه البرية . أي : ضل البرية .
14 | منْ قالَ صَرْفَـتُهُمْ مَعْ حَثِّ نُصْرَتِهِمْ
|
وَفْرُ الدَّوَاعِى فَلَمْ يَسْتَنْصِرِ النُّصَرَا
|
أخبر في هذا البيت أن قوما من المعتزلة ذهبوا إلى أن إعجاز القرآن إنما هو في صرفتهم : أي كون الله تعالى صرف دواعيهم عن الإتيان بمثله مع أن دواعيهم كانت متوفرة تقتضي حث بعضهم بعضاً على نصرتهم : أي نصرة بعضهم بعضاً . لكن صرف دواعيهم عن الإتيان بمثله هو العجز .
وقوله : فلم يستنصر النصرا . أي : من قال بذلك فلم يجد من ينصره . ثم شرع في إبطال مذهبهم في البيت التالي فقال :
15 | كمْ مِنْ بدائِعَ لمْ تُوْجَدْ بَلاغَتُهَا
|
إِلا لدَيْه وكمْ طُولَ الزَّمانِ تُرَى
|
أي كم من بدائع في أسلوب القرآن وألفاظه وآياته لم توجد بلاغتها في شيئ من كلام العرب . إلا لديه أي : إلا في القرآن . وهذا هو الإعجاز , فلو كان الإعجاز في الصرفة كما زعم بعض المعتزلة لم يكن لهذه البدائع التي اختص بها القرآن حاجة , وكان أقل لفظ وأدنى أسلوب يكفي . فليس المعجز إذاً التصرفة . وإنما المعجزة هذه البدائع التي باين بها جميع الكلام .
وقوله : وكم طول الزمان ترى . أي : أهل الفصاحة والبلاغة على مر الزمان يظهر لهم في القرآن معان ٍ وحكم وأسرار ومعجزات ومواعظ ما سبقوا إليها .
16 | ومن يقُلْ بعُلومِ الغيبِ مُعْجِزُهُ
|
فلمْ تَرَى عينُهُ عيْناً ولاَ أَثَرَا
|
|
17 | إنَّ الغُيُوبَ بإذنِ اللهِ جـاريةٌ ج |
مدَى الزَّمانِ على سُبُلٍ جَلَتْ سُوَرَا
|
يخبر أن بعض الناس ذهب إلى أن الإعجاز في إخباره عن الغيوب فقط . لا في نظمه . فأبطل مذهبهم فقال : فلم ترى عينه عيناً ولا أثرا . أي : ليس لديهم أثر ولا حجة تدلل على زعمهم .
ثم قال : إنَّ الغُيُوبَ بإذنِ اللهِ جـاريةٌ. أي الغيوب التي أخبر عنها القرآن لم تقع كلها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي جارية على مر الأزمان على طرق كشفت لنا تلك الطرق سوراُ من القرآن اشتملت على تلك الغيوب .
18 | ومنْ يقُلْ بكلامِ اللهِ طَالَبـَـهُمْ
|
لم يَحْلُ فى العِلْمِ وِرْداً لاَ ولاَ صَدَرَا
|
|
19 | ما لاَ يُطاقُ ففى تعيينِ كُلْفَتِهِ
|
وجائزٍ ووقوعٍ عُضْلَةُ البُصَرَا ج |
أخبر أن قوماً قالوا : إن المعجزة هي عين الكلام القديم . قال القاضي أبو بكر الأشعري الملقب بسيف السنة : ولا يصح ذلك لأن ذلك مطالبة بما لا يطاق . ولا هو مختص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره , والمعجزة تختص به دون غيره . وإلى هذا المعنى أشار بقوله : ما لا يطاق .. وهو الأمر المعضل المشق الممتنع .
يقول : إن البصراء من الناس قد أعضلهم المصير إلى جواز تكليف ما لا يطاق . وإلى أن وقوع ذلك لا يصح , واستقر عندهم أنه إنما يكلف المتمكن بما يمكن . وإن أجازه بعضهم . فكيف يطلب منهم المعارضة بكلام الله القديم .
وقوله : ورداً لا ولا صدرا . من ورد الماء . إذا دخل عليه , والصدر : الرجوع . من قولهم : صدر عن الماء . إذا رجع عنه . أي : لم يحل دخوله ولا خروجه .
20 | للهِ دَرُّ الَّذى تأليفُ مُعْجِزِهِ
|
والانتصارِ لهُ قدْ أوْضَحَا الغُرَرَا
|
يقول : لله در العالم الجليل وهو القاضي أبو بكر الأشعري صاحب كتاب : معجز القرآن , وكتاب الانتصار . وقوله معجزه : الهاء ضمير يعود إما على الذي لأنه مصنفه , أو على القرآن لأنه مصنف فيه . أما كتاب معجز القرآن فإنه وضعه في بلاغة القرآن . وبما امتاز به من غرابة النظم , وأنه لا يقدر أحد من البلغاء على الإتيان بمثله في بلاغته وهيئة نظمه .
وأما كتاب الانتصار فكتاب جليل القدر . ليس لأحد مثله , انتصر فيه لكتاب الله تعالى , وسدّ به الطرق على الملحدين . وشيّد به قواعد الدين , وليس على أهل البدع أشد منه .
وقوله : قد أوضحا الغررا . جمع غرة .
21 | وَلَـمْ يَزَلْ حِفْظُهُ بين الصَّحابَةِ فى
|
عُلاَ حَياةِ رسُولِ اللهِ مُبْتَدِرَا
|
|
22 | وكُلَّ عامٍ على جبريلَ يَعْرِضُهُ
|
وقيلَ آخرَ عامٍ عرْضَتَيْنِ قَرَا
|
أي : ما زال القرآن محفوظاً بين الصاحبة رضوان الله عليهم طوال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم . لم يتركوا آية ولا حرفاً ولا وجهاً إلا أحصوه . حفظاً في الصدور قبل السطور . والعلا : جمع علياء , وعلا الشيئ : أوله : أي كان حفظه ودرسه قديماً بدءاً بنزول الوحي .
ومبتدرا : بدرت الشيئ وابتدرته : إذا أسرعت إليه .
قوله : وكل عام على جبريل يعرضه … أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرض القرآن على جبريل عليه السلام كل عام مرة . وفي العام الذي مات فيه عرضه عليه مرتين .
روت السيدة عائشة وفاطمة رضي الله عنهما قالتا : ” سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل سنة , وإنه عارضني العام مرتين , ولا أراه إلا حضر أجلي ” ([2]) متفق عليه .
23 | إنَّ اليمامةَ أهْوَاها مُسَيْلِمَةُ ج |
كذَّابُ فى زَمَنِ الصِّديقِ إذْ خَسِرَا
|
|
24 | وبعدَ بأْسٍ شديدٍ حانَ مصْرَعُهُ
|
وكان بأْساً على القُرَّاءِ مُسْتَعِرَا
|
اليمامة هي بلاد الجوّ , وكان بها امرأة زرقاء قوية البصر يضرب بها المثل فيقال : أبصر من زرقاء اليمامة . ويقال : إن هذه المرأة كان اسمها اليمامة . فسميت البلد بها .
وأهواها : أي أهلكها وأسقطها . مسيلمة الكذاب : هو الذي ادعى النبوة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم .
بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم من يخبره بما يستمع منه القرآن وغيره . فكان يقرأ القرآن على من عنده ويزعم أنه ينزل عليه . فلما اشتهر القرآن عن صلى الله عليه وسلم ولم يمكنه دعواه أخذ يصنع قرآناً في زعمه . فقال : ” والزارعات زرعاً , والحاصدات حصداً , والطاحنات طحناً , والعاجنات عجناً , والخابزات خبزاً, والثاردات ثرداً , ياضفدع بنت ضفدعين , إلى كم تنقين , لا الماء تكدّرين , ولا الشراب تمنعين ” .
وكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله . سلام عليك . أما بعد : فإني أشركت في الأمر معك . فإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها , ولكن قريشاً يعتدون .
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب . سلام على من اتبع الهدى , أما بعد : فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين .
فأخفى كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكتب كتاباً عن النبي صلى الله عليه وسلم بالشركة معه وأخرجه إلى أصحابه .
فلما كان في زمن الصديق رضي الله عنه , اشتد أمره , فسير إليه خالد بن الوليد رضي الله عنه واقتتل المسلمون مع بني حنيفة قتالاً عظيماً , وقتل من المسلمين ألف ومائتان وممن قتل يومئذ زيد بن الخطاب رضي الله عنه وانهزم المسلمون , فثار البراء بن مالك رضي الله عنه فحمل على أصحاب مسيلمة فانكشفوا , وتبعهم المسلمون حتى أدخلوهم حديقة فأغلقوا بابها , فحمل البراء عليهم فصار بهم حتى فتح الباب للمسلمين , فدخلوا وقتلوا مسيلمة الكذاب وأصحابه . فسميت حديقة الموت .
وقتل من القراء يومئذ سبعمائة . لذلك قال الناظم : وكان بأساً على القراء مستعرا .
قوله : وبعد بأس شديد : أي بعد عذاب شديد , وقتال صعيب , حان مصرعه . أي قتله .
25 | نادى أبا بكرٍ الفاروقُ خِفْتُ على الْـ
|
قُرَّاءِ فادَّرِكِ القُرْآنَ مُسْتَطِرَا
|
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال : إن القتل قد أسرع في قراء القرآن يوم اليمامة , وقد خشيت أن يذهب القرآن فاكتبه أي فاجمعه . فقال أبو بكر رضي الله عنه كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولم يعهد إلينا منه عهداً ؟
فقال عمر رضي الله عنه افعل فهو والله خير . فلم يزل عمر بأبي بكر رضي الله عنهما . حتى أرى الله تعالى أبا بكر مثل الذي رأى عمر . فقال زيد : فدعاني أبو بكر رضي الله عنه فقال : إنك رجل شاب فد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمع القرآن واكتبه .
فقال زيد لأبي بكر رضي اله عنهما : كيف تصنعون شيئاً لم يأمركم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر , ولم يعهد إليكم عهداً ؟ فقال زيد : فلم يزل بي أبو بكر حتى أراني الله تعالى مثل الذي أرى أبا بكر وعمر . والله لو كلفوني نقل الجبال لكان أيسر من الذي كلفوني به .
فتتبعت القرآن أنسخه من الصحف والسَعَف واللِّخاف ([3] ) وصدور الرجال حتى فقدت آية كنت أسمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها وهي : (لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)[التوبة: ١٢٨]. فالتمستها فوجدتها عند حذيفة بن ثابت رضي الله عنه . فأثبتها في سورتها .
وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : رحم الله أبا بكر . هو أول من جمع القرآن بين اللوحين .
وقوله : خفت على القراء . أي على من بقي منهم أن يقتلوا كما قتل أصحابهم يوم اليمامة .
فادرك القرآن مستطرا . أي سارع إلى كتابته وجمعه .
26 | فأجمعوا جَمْعَهُ فى الصُّحْفِ واعتَمَدُوا
|
زيدَ بن ثابتٍ العدْلَ الرِّضَى نَظَرَا
|
|
27 | فقام فيه بعونِ اللهِ يجْمَعُهُ
|
بالنُّصْحِ والجِدِّ والحَزْمِ الَّذِى بَهَرَا
|
|
28 | مِنْ كُلِّ أوجُهِهِ حتى استتمَّ له
|
بِالأَحْرُفِ السَّبْعَةِ العلْيا كَما اشْتَهَرا
|
قوله : فأجمعوا جمعه , أي عزموا على جمع القرآن في الصحف , واعتمدوا زيد ابن ثابت , أي اختاروه لهذا الأمر لما يتصف به من العدل الضبط , وارتضوه لهذا , حيث كان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم , وكانت قرآته على العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على جبريل .
فقام في القرآن يجمعه مستعيناً بالله تعالى , بالنصح .أي ناصحاً لله ولرسوله ولكتابه وللأئمة المسلمين وعامتهم . بالجد الذي لا يتخلله كسل , والحزم أي الضبط والأخذ بالثقة . الذي بهرا . أي غلب . يقال : بهر القمر : أضاء حتى غلب ضوءه ضوء الكواكب ([4]) .
قوله : من كل أوجهه , أي قام يجمعه من كل ناحية أو زاوية كتب فيها قرآن , ومن صدور الرجال . كما قال : فتتبعت القرآن أنسخه من الصحف والعَسَف والرقاع والأضلاع وصدور الرجال . حتى تم له القرآن كله .
وقوله بالأحرف السبعة : أي كتبه وجمعه بما يوافق أوجه الأحرف السبعة في الرسم , وقوله العليا , أي المشهورة . كما اشتهر نزول القرآن على سبعة أحرف في الحديث الشريف .
29 | فأمسكَ الصُّحُفَ الصِّديقُ ثم إلى الـ
|
فاروقِ أسْلَمَها لما قضى العُمُرَا
|
لما فرغ زيد ابن ثابت رضي الله عنه من جمع القرآن في صحف جاء بها إلى أبي بكر رضي الله عنه خليفة المسلمين . فأمسكها عنده , واحتفظ بها في بيته , فلما حضرته الوفاة سلمها إلى الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه , لأنه كان الخليفة من بعده .
30 | وعند حفصةَ كانت بعدُ فاختلف الْـ
|
قرَّاءُ فاعتزلوا فى أحرُفٍ زُمَرَا
|
|
31 | وكان فى بعضِ مغْزاهم مُشاهِدَهم
|
حذيفةٌ فرأى فى خُلْفِهِمْ عِبَرا
|
|
32 | فجاءَ عثمانَ مذْعوراً فقالَ لهُ
|
أخافُ أنْ يخلِطُوا فأدْرِكِ البَشَرا
|
لما توفي عمر رضي الله عنه كانت الصحف عند أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها . فلما تولى عثمان رضي الله عنه الخلافة , واجتمع المسلمون في غزوة أرمَينية جند الشام , وجند العراق فاختلفوا في القراءات , فكان كل منهم يسمع قراءة غيره فينكرها , وكل ذلك صواب ومنزل من عند الله , حتى قال بعضهم لبعض قراءتي خير من قراءتك .
فلما رأى حذيفة بن اليمان رضي الله عنه هذا الاختلاف فزع خوفاً من الفتنة وأسرع إلى أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه . وقال : إن الناس اختلفوا في القرآن فأدركهم قبل أن يخلطوا . والله إني لأخشى أن يصيبهم مثل ما أصاب اليهود والنصارى من الاختلاف . فجمعهم عثمان رضي الله عنه , وعددهم يومئذ : اثنا عشر ألفاً .
فقال : ما تقولون ؟ فقد بلغني أن بعضكم يقول : إن قراءتي خير من قراءتك , وهذا يكاد أن يكون كفراً . قالوا : فما ترى ؟ قال : أرى أن تجمع الناس على مصحف واحد فلا يكون فرقة ولا يكون اختلاف . قالوا : فنعم ما رأيت .
وقوله : زمرا . أي جماعات وأحزابا , وقوله : مذعورا . أي فزعا , والبشر : الناس .
33 | فاستحضرَ الصُّحُفَ الاولَى التى جُمِعت
|
وخَصَّ زيداً ومِنْ قُرَيْشِه نَفَرا
|
|
34 | على لسانِ قريشٍ فاكتُبوه كما
|
على الرسولِ به إِنْزالُه انْتَشَرا
|
أي بعث عثمان رضي الله عنه إلى حفصة رضي الله عنها . أن أرسلي إليّ الصحف ننسخها في مصاحف ثم نردها إليك . فأرسلت بها إليه . وهذه الصحف الأولى التي جمعت في عهد أبي بكر رضي الله عنه , وخص زيداً . أي اختاره لهذا الأمر . لأنه الذي جمعها أولاً , وكان يكتب الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله : ومن قريشه نفرا : الضمير يعود على عثمان رضي الله عنه . أي خص زيداً ونفراً من قريش , وهم عبد الله بن الزبير , وسعيد بن العاص , وعبد الله بن الحارث بن هشام , وأبيً بن كعب y .
ثم قال للنفر القرشيين : إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيئ فاكتبوه بلسان قريش فإنه نزل بلسانهم . فاختلفوا في(التَّابُوتُ) [البقرة: ٢٤٨]. فقال زيد : التابوة , وقال الآخرون : التابوت . فرجعوا إلى عثمان رضي الله عنه فقال : اكتبوه ” التابوت ” فإنه نزل بلغة قريش .
وسألوا عثمان أيضاً عن قوله تعالى (لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ) [البقرة: ٢٥٩]. فقال : اجعلوا فيها الهاء .
وقوله : الرسول به . الضمير يعود على لسان قريش , والمراد به لغتهم .
35 | فجرَّدُوه كما يَهْوَى كتَابَتَهُ
|
ما فيهِ شكلٌ ولا نَقْطٌ فَيَحْتَجِرَا
|
فجردوه : أي القرآن . نقلوه من الصحف الأولى كما يهوى كتابته ., أي كما يحب عثمان رضي الله عنه أي يكتب , لأنه أحب أن يجمع الناس على حرف واحد ليقع الاتفاق , ويرتفع الاختلاف .
وقوله : ما فيه شكل ولا نقط فيحتجرا . أي كتبوه مجرداً من الشكل والنقط حتى لا يحتجر على قراءة واحدة . فليس كالمصاحف التي نقطت لبيان الحروف , وشكلت لبيان الحركات . بل هذا يقرأ بالرفع , وهذا بالنصب , وغيره بالخفض , ويقرأ هذا بالخطاب , وغيره بالغيب .
وقوله : فيحتجرا . منصوب على الجواب بالفاء بعد النفي , والأصل : فيحتجران . ولكنه حذف النون للنصب .
36 | وسارَ فى نُسَخٍ منها مع المدَنِى
|
كوفٍ وشامٍ وبصرٍ تملأُ البَصَرا
|
|
37 | وقيل مكةَ والبحرينِ معْ يمنٍ
|
ضاعتْ بها نُسخٌ فى نشْرِها قُطَرا
|
لما كتبت المصاحف . أرسل عثمان رضي الله عنه إلى كل قطر مصحفاً , وسير معه رجلاً حافظاً ضابطاً يقرأ الناس بما فيه . فأمر زيد بن ثابت أن يقرأ بالمدني , وبعث عبد الله بن السائب مع المكي , وبعث المغيرة بن شهاب مع الشامي , وأبا عبد الرحمن السلمي مع الكوفي , وعامر بن قيس مع البصري .
وبعث مصحفاً إلى اليمن , وآخر إلى البحرين . فلم يُعلم لهما خبر , ولا مع من بعثهما . ولهذا انحصر الأئمة السبعة في الأمصار الخمسة .
وقال أنس بن مالك رضي الله عنه : أرسل عثمان رضي الله عنه إلى كل جند من أجناد المسلمين مصحفاً , وأمرهم أن يحرقوا كل مصحف يخلف الذي أرسل إليهم .
وقوله : تملأ البصرا . أي عظيمة . من قولهم : فلان يملأ العين . وقوله : ضاعت بها نسخ . أي : ذهبت , أو يكون من ضاع الطيب إذا فاحت رائحته . كأنها نشرت في تلك المواضع عوداً .
38 | وقال مالكٌ القرآنُ يُكْتَبُ بالْـ
|
كتابِ الاوَّلِ لا مُسْتَحْدثاً سُطِرا
|
|
39 | وقال مُصْحفُ عثمانٍ تغيَّبَ لم
|
نجدْ لهُ بين أشياخِ الهُدى خَبَرا ج |
قال الناظم : سئل مالك رحمه الله تعالى : هل يكتب المصحف على ما أحدثه الناس من الهجاء ؟ فقال : لا . على الكتابة الأولى .
وهذا مذهب الأئمة رحمهم الله . ومعنى الكتابة الأولى : أي التي كتبت في عهد عثمان رضي الله عنه وارتضاها . مجردة من النقط والشكل وفق قواعد الرسم الاصطلاحي .
وقال مالك : وأما المصاحف التي يتعلم فيها الصبيان وألواحهم فلا أرى فيها بأساً .
وقال مالك : غاب مصحف عثمان رضي الله عنه من المدينة , ولم نسمع بخبره بين علمائها الهادين , أي المشايخ الذين يهتدى ويقتدى بهم في النقل والرواية والدراية .
والكتاب الأول : بالنقل من غير همز , وصرف عثمان للوزن .
40 | أبوعُبَيْدٍ أولوا بعضِ الخزائنِ لى
|
إستخرجُوهُ فأبصرْتُ الدِّمَا أَثَرا
|
يقول : قال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب القراءات : استخرج بعض الأمراء من خزانة مصحف عثمان رضي الله عنه المصحف المعروف بالإمام , وكان في حجره حين أصيب , ورأيت آثار الدم في مواضع منه , وأكثر ما رأيته في سورة النجم .
41 | وردَّهُ ولدُ النَّحاسِ مُعتَمِداً
|
ما قَبْلَهُ وأباهُ مُنْصِفٌ نَظََرا
|
|
42 | إذْ لم يقُلْ مالِكٌ لاحَتْ مهالِكُهُ ج |
ما لا يفوتُ فيُرْجَى طالَ أو قَصُرا
|
أي : وردَّ أبو جعفر النحاس قول أبي عبيد ولم يعتمد عليه . بل اعتمد على ما قبله , وهو قول مالك : إنه تغيب . وليس بصواب , حيث قال أحد المنصفين المحققين : قول مالك رحمه الله تغيب . لا يدل على عدم وجود المصحف بالكلية , لأن ما يغيب يرجى ظهوره . طال الزمان أو قصر , أما لو قال مالك : هلك مصحف عثمان , أو عُدم لصح الردّ .
43 | وبينَ نافِعِهِم فى رسْمِهِم وأبِـى
|
عُبَيدٍ الخلفُ فى بعضِ الذى أَثَرَا
|
|
44 | ولا تعارُضَ مع حُسْنِ الظُّنُونِ فَطِبْ
|
صَدْراً رحيباً بما عن كُلِّهِم صَدَرَا
|
يقول : من القراء السبعة نافع . بينه وبين أبي عبيد خلاف في مواضع يسيرة , وليس المعنى نافعاً نقل الحذف في كلمة , ونقل أبو عبيد فيها الإثبات , ولكن نافعاً كان ينقل عن المصحف المدني , وأبو عبيد ينقل عن مصحف عثمان رضي الله عنه الذي كان عنده بالمدينة . فإذا قال نافع : وعدنا بدون ألف فهو إخباره عمَّا رآه في الرسم المدني المرصد للناس .
ولا تعارض بين النقلين مع حسن الظنون بهما , لأنهما إمامان عدلان عالمان ثقتان فيما أثراه ونقلاه . فطب صدراً رحيباً . أي واسعاً بالذي صدر ونقل عن كل من الثقات العدول .
45 | وهاكَ نَظْمَ الَّذى فى مُقْنِعٍ عَنَ ابِى
|
عَمْرٍو وفيهِ زياداتٌ فَطِبْ عُمُرَا
|
أي : وخذ هذا النظم الذي جمع ما في كتاب المقنع لأبي عمرو الداني في مرسوم الخط . وفي النظم زيادات على في المقنع .
فطب عُمُرا: أي عش حياة طيبة .
باب الإثبات والحذف وغيرهما مرتبا على السور من البقرة إلى الأعراف
46 | بالصَّادِ كُلُّ صِراطِ والصِّراطِ وقُلْ
|
بِالحَذْفِ مالكِ يومِ الدِّينِ مُقْتَصِرَا
|
أي : اتفقت المصاحف على كتابة (ٱلصِّرَٰطَ)بالصاد . حيث وردت في القرآن . نكرة كانت نحو : (صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ)[الفاتحة: ٧]. أم معرفة نحو (ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ)[الفاتحة: ٦ ]. أو مضافة نحو (صِرَاطُ رَبِّكَ) [الأنعام: ١٢٦].
كما اتفقت المصاحف على كتابة(مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ) [الفاتحة: ٤ ].بحذف الألف .
وقوله مقتصرا : أي على هذا الموضع , وقيدها بيوم الدين . وكان على الناظم أن يعنون من الفاتحة إلى الأعراف , لأن الصراط , ومالك من سورة الفاتحة .
47 | واحْذِفْهُمَا بعدُ فى ادَّرأْتُمُ ومسَا
|
كينَ هنا ومعاً يُخدِعُونَ جَرَى
|
يقول : واحذف الألفين الآخرين من كلمة(فَادَّارَأْتُمْ) [البقرة: ٧٢]. إذ فيها ثلاث ألفات . الأولى بعد الفاء ثابتة باتفاق , وإنما المحذوفان اللذان بعد الدال والراء , ولذا قال بعد . أي بعد الألف الأولى .
قوله : ومساكين هنا . أي واحذف الألف من كلمة (مِسْكِينٍ)وقد أجمعوا على حذفه وهو قوله تعالى 🙁 فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) [البقرة: ١٨٤ ]. وأما الذي في المائدة فيذكر فيما بعد .
قوله : وما يخادعون جرى . يعني كذلك جرى الحذف في ألف يخادعون , موضعي البقرة وموضع النساء . لذا قال : ومعاً أي جميعاً . ففي البقرة قوله تعالى : (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [البقرة: ٩]. والذي في النساء قوله تعالى 🙁 إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)[النساء: ١٤٢].
48 | وقاتِلُوهم وأفعالُ القتــالِ بها
|
ثلاثـــةٌ قبلَه تبدو لمنْ نَظَرا
|
وقاتلوهم . المراد به قوله تعالى : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ)[البقرة: ١٩٣]. . قوله : وأفعال القتال بها ثلاثة قبله . يعني قبل هذا الموضع وهي : (وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ)[البقرة: ١٩١]. فهذه أفعال القتال الثلاثة .
قوله : تبدوا لمن نظرا . أي يظهر حذف الألف فيهن لمن نظر في المرسوم .
49 | هنا ويبصُطُ معْ مُصْيطِر وكذا الـ
|
مُصيطِرونَ بصادٍ مُبْدَلٍ سُطِرَا
|
يقول : في سورة البقرة قوله تعالى: (وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ) [البقرة: ٢٤٥ ]. وقوله: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) [الغاشية: ٢٢]. وقوله 🙁 أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) [الطور: ٣٧ ]. رسمت هذه الكلمات بالصاد , واحترز بقوله : هنا ليخرج غيره نحو (يَبْسُطُ الرِّزْقَ)[الرعد: ٢٦].
قوله : بصاد مبدل . أي رسم بالصاد المبدلة من السين . لأن السين هي الأصل في هذه الكلمات .
50 | وفى الإمامِ اهْبِطُوا مِصْراً به ألِفٌ
|
وقُلْ ومِيكالَ فيها حَذْفُها ظَهَرا
|
يقول : في المصحف الإمام أي مصحف عثمان رضي الله عنه رسمت كلمة(اهْبِطُوا مِصْرًا) [البقرة: ٦١]. وقيدها بقوله : اهبطوا مصراً ليخرج ما عداها .
وحذفت ألف(وَمِيكَالَ)[البقرة: ٩٨]. رسم مكانها ياءً في المصحف الإمام أيضاً وفاقاً لبقية المصاحف , وإنما كتبت هكذا لتحتمل وجوه القراءات .
51 | ونافعٌ حيثُ واعدنا خطيـئَـتُهُ
|
والصَّعْقَةُ الرِّيحُ تفدُوهم هنا اعْتُبِرَا
|
أي روى نافع : أنه لم يرسم ألف في كلمة(وَاعَدْنَا)حيث وردت , وي في قوله تعالى 🙁 وَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)[البقرة: ٥١]. وقوله تعالى 🙁 وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ) [الأعراف: ١٤٢]. وقوله تعالى 🙁 وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ)[طه: ٨٠].
وحذفت كذلك ألف (خَطِيٓـَٔتُهُۥ)من قوله تعالى : (وَأَحَٰطَتْ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُۥ)[البقرة: ٨١]. وألف (ٱلصَّٰعِقَةُ)من قوله تعالى : (فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) [البقرة: ٥٥]. وألف (ٱلرِّيَٰحِ)من قوله تعالى (وَتَصۡرِيفِ ٱلرِّيَٰحِ)[البقرة: ١٦٤].
وألف (تُفَٰدُوهُمْ)من قوله تعالى : (وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَٰرَىٰ تُفَٰدُوهُمْ)[البقرة: ٨٥].
وقوله اعتبرا. أي اعتبر لنافع .
52 | معاً دفاعُ رهنٌ معْ مُضعفةً
|
وعاهدوا وهنا تشابَهَ اخْـتُصِرَا
|
وروى نافع حذف ألف (دَفْعُ)وهو قوله تعالى 🙁 وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ)[البقرة: ٢٥١]. وموضع الحج وهو 🙁 وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ)[الحج: ٤٠].
وحذفت الألف كذلك من ( فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ )[البقرة: ٢٨٣]. كما حذفت من كلمة (مُّضَٰعَفَةً ۖ )في قوله تعالى : (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَوٰٓاْ أَضْعَٰفًا مُّضَٰعَفَةً ۖ )[آل عمران: ١٣٠]. وألف (عَٰهَدُواْ) من قوله تعالى : (أَوَكُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهْدًا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٌ مِّنْهُم)[البقرة:١٠٠ ].
قوله هنا تشابه اختصرا . أي بالبقرة حذفت الألف من كلمة (تَشَٰبَهَ)في قوله تعالى : (إِنَّ ٱلْبَقَرَ تَشَٰبَهَ عَلَيْنَا)[البقرة: ٧٠]. وإنما قال هنا احترازاً من موضع آل عمران . وقوله اختصرا : أي الحذف اختصاراً .
53 | يُضاعِفُ الـخُلْفُ فيه كيف جا وكتا
|
بهِ ونافعُ فى التحريمِ ذاكَ أرَى
|
يقول : اختلف رسم المصاحف في كلمة ” يضاعف ” كيف ورد . وهو في (فَيُضَٰعِفَهُۥ لَهُۥٓ أَضْعَافًا كَثِيرَةً)[البقرة: ٢٤٥ ]. و (وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُ ۗ)[البقرة: ٢٦١]. و(يُضَٰعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ)[هود: ٢٠]. و (يُضَٰعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ)[الحديد: ١٨]. وفي(وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ)[البقرة: ٢٨٥].
قد رسمت بالألف في بعض المصاحف وحذفت من بعضها .
قوله : ونافع في التحريم . أي كلمة(وَكُتُبِهِۦ)من (وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَٰتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِۦ)[التحريم: ١٢]. نقل نافع حذف الألف دون معارض له , فلم ينقل أحد بخلافه .
54 | والحذفُ فى ياءِ إبراهيمَ قيل هُنا
|
شامٍ عراق ونِعْمَ العِرْقُ ما انْتَشَرَا
|
يقول : إن كلمة (إِبْرَٰهِۦمَ)[البقرة: ١٢٤] . رسمت بغير ياء في سورة البقرة عند الشامي والكوفي والبصري , وتثبت في الرسم المدني والمكي والإمام , وقيد الحذف بالياء احترازاً من ألفه . فإنها محذوفة من كل القرآن باتفاق .
وقوله : قيل هنا . دل على الاختلاف في سورة البقرة , وما عداها بالياء بدون خلاف , وقوله : ونعم العرق ما انتشرا . يشير إلى اشتهار حذفه كان ممتداً منتشراً , والعرق : الشجرة .([5])
55 | أوصَى الإمامُ مع الشَّامِىِّ والمَدَنِى
|
شامٍ وقالوا بحذفِ الواوِ قبلُ يُرَى
|
أي : رسم قول الله تعالى : (وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَٰهِۦمُ بَنِيهِ)[البقرة: ١٣٢]. بالهمزة بين الواوين ( وَأَوصَى ) في مصحف الإمام عثمان رضي الله عنه , وفي المصحف المدني والشامي . وفي بقية المصاحف من غير همز .
قوله : شام وقالوا بحذف الواو قبل يرى . أي قوله تعالى : (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ)[البقرة: ١١٦] . رسمت في المصحف الشامي بحذف الواو الأولى ( قَالُوا ) . وقوله : قبل . احترازا من الواو التي بعد اللام .
56 | يُقاتِلُونَ الَّذينَ الحذفُ مُختَلَفٌ
|
فيه معاً طائراً عنْ نافعٍ وقَرَا
|
يقول : قوله تعالى : (وَيَقْتُلُونَ ٱلَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِٱلْقِسْطِ مِنَ ٱلنَّاسِ)
[آل عمران ٢١]. رسم في بعض المصاحف بألف بعد القاف , وفي بعضها بالحذف . قوله : معاً طائراً عن نافع . أي روى نافع حذف الألف من قوله تعالى : (فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ ۖ)[ آل عمران: ٤٩ ]. و (فَتَكُونُ طَيْرًۢا بِإِذْنِى ۖ)[المائدة: ١١٠]. عن المدني كبقية الرسم .
وأشار إلى الموضعين بقوله : معاً , وقوله : وقرا . أي ثبت حذف ألفهما ؟
57 | وقَاتِلُوا وثُلاثَ معْ رُباعَ كِتَـا
|
بَ اللهِ مَعْهُ ضِعافاً عاقَدَتْ حَصَرا
|
أي : روى نافع حذف الألف من قوله تعالى : (وَأُوذُواْ فِى سَبِيلِى وَقَٰتَلُواْ وَقُتِلُواْ)[آل عمران: ١٩٥]. ومن قوله تعالى : (مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ ۖ)[النساء: ٣]. وقوله : (كِتَٰبَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ)[النساء: ٢٤]. ومن قوله : (ذُرِّيَّةً ضِعَٰفًا)[النساء: ٩]. وقوله : (وَٱلَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَٰنُكُمْ)[النساء: ٣٣].
وقوله معه . الضمير يعود إلى لفظ كتاب . أي مع كتاب الله ضعافاً وعاقدت . كله بالحذف , وقوله : حصرا . أي حصر نافع ضبط حذف الألف في المدني كبقية الرسم .
58 | مراغَماً قاتلوا لامَسْتُمُ بهِما
|
حَرْفَا السَّلامِ رسالتِهْ معاً أَثَرَا
|
روى نافع حذف ألف (مُرَٰغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ)[النساء: ١٠٠]. و (وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَٰتَلُوكُمْ)[النساء: ٩٠]. و(أَوْ لَٰمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ)[النساء: ٤٣]. , و [المائدة: ٦]. أشار إليهما بقوله : بهما . كما حذف ألف (سُبُلَ ٱلسَّلَٰمِ)[المائدة: ١٦ ]. و (لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلَٰمِ)[الأنعام: ١٢٧ ]. لقوله : حرفا السلام .
وإنما خص هذين الحرفين لأنهما مما ذكره نافع , ولفظ السلام كله محذوف الألف وسيأتي في الأصول , وحذف ألف (وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)[المائدة: ٦٧ ]. , و (ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)[الأنعام: ١٢٤ ].
لقوله : رسالته معاً. والمراد الألف الذي بعد اللام , وقوله : أثرا . أي أثر عن نافع الحذف في هذه الكلمات .
59 | وبالِغَ الكعبةِ احفظْهُ وقل قِيَماً
|
والأَوْلَينِ وأكَّالونَ قد ذَكَرَا ج |
أي روى نافع حذف ألف (هَدْيًۢا بَٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ)[المائدة: ٩٥ ]. وحذف ألف (قِيَٰمًا لِّلنَّاسِ)[المائدة: ٩٧] . والمراد الألف الذي قبل الميم , وحذف ألف (ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْأَوْلَيَٰنِ)[المائدة: ١٠٧ ]. والألف من (أَكَّٰلُونَ لِلسُّحْتِ ۚ)[المائدة: ٤٢ ].
قوله : قد ذكرا . أي ذكر نافع حذف الألف مما تقدم , رواه نافع بالحذف كباقي الرسوم .
60 | وقلْ مساكينَ عن خُلْفٍ وهودَ بها
|
وذى ويُونُسَ الاوْلَى ساحِرٌ خُبِرَا
|
أي . قوله تعالى : (كَفَّٰرَةٌ طَعَامُ مَسَٰكِينَ)[المائدة: ٩٥]. اختلف فيه . فروي في بعض المصاحف بالألف , وبعضها بدون ألف , وقوله : وهود بها …. الخ . أي لفظ ساحر اختلف في إثبات ألفه وحذفها في الرسم في ثلاث سور وهي : هود (لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ)[هود: ٧].
وفي المائدة التي أشار إليها بقوله : وذي . (فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ)[المائدة: ١١٠]. والموضع الأول من سورة يونس (قَالَ ٱلْكَٰفِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٌ مُّبِينٌ)[يونس: ٢].
ولما ذكر الخلاف في مساكين عطف عليه هذه الثلاثة . لأن فيها خلافاً , ولم يذكر نافع هذه الثلاثة المواضع . ولم يتعرض لها بحذف ولا إثبات .
وقوله :خُبرا . أي عُلم الخلف .
61 | وسارعوا الواوُ مَكِىٌّ عراقيةٌ
|
وبا وبالزُّبُرِ الشَّامى فشَا خَبَرا ججج |
|
62 | وبالكتابِ وقد جاءَ الخلافُ بهِ
|
ورَسْمُ شامٍ قليلاً منهُمُ كَثُرَا
|
أي قول لله تعالى : (وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ)[آل عمران: ١٣٣]. رسم بواو العطف قبل ” سارعوا ” في المصحف المكي والكوفي والبصري , وفي المدني والشامي بغير واو .
ورسم (جَآءُو بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلزُّبُرِ وَٱلْكِتَٰبِ ٱلْمُنِيرِ)[آل عمران: ١٨٤]. بزيادة باء الجر في (وَٱلزُّبُرِ)في المصحف الشامي , و (ٱلْكِتَٰبِ)رسم بزيادة باء الجر في بعض المصاحف الشامية وفي بعضها بالحذف , وبغير الباء فيهما في بقية المصاحف .
ورسموا (مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ)[النساء: ٦٦]. بألف في (قَلِيلٌ)في المصحف الشامي , وبغير ألف في باقي المصاحف . وقوله : كَثُرا . أي : غلب لشهرته .
63 | ورسمُ والجارِ ذا القرْبَى بطائِفةٍ
|
من العراقِ عن الفرَّاءِ قد نَدَرَا
|
يقول : نقل عن يحيى الفراء أنه قال : قد رسم بطائفة . أي بجماعة من مصاحف العراق ذا بألف من قوله تعالى : (وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ)[النساء: ٣٦]. هذا قول نادر وشاذ .
قال أبو عمرو الداني : لم أجد ذلك في مصاحفهم . فلأجل ذلك قال الناظم : قد ندرا . وجملة المرسوم ” ذي ” بالياء .
64 | مع الإمامِ وشامٍ يرتَدِدْ مَدَنِى
|
وقبْلَهُ ويقولُ بالعراقِ يُرَى
|
أي : رسم في المصحف الإمام والشامي والمدني (مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ)[المائدة: ٥٤]. بدالين , وفي المكي والكوفي والبصري بدال واحدة , ورسم (وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ)[المائدة: ٥٣]. بواو العطف قبل يقول . في المصحف الكوفي والبصري , وبحذفها في بقية المصاحف , وقوله : وقبله أي قبل يرتدد .
65 | وبالغداةِ معاً بالواوِ كُلُّهُمُ
|
وقُلْ معاً فارقوا بالحَذْفِ قدْ عُمِرَا
|
أي رسم (بِٱلْغَدَوٰةِ وَٱلْعَشِىِّ)[الأنعام: ٥٢]. و [الكهف: ٢٨]. في كل المصاحف , ورسم (إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ)[الأنعام: ١٥٩]. , و (مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ)[الروم: ٣٢]. بلا ألف بعد الفاء في كل المصاخف . وقوله : عُمرا . أي رسم . وقوله : معاً ليدخل الموضعين فيهما .
66 | وقل ولا طائرٍ بالحذفِ نافِعُهُمْ
|
ومعَ أكابرَ ذُرِّيَاتِهِمْ نَشَرا
|
أي : روى نافع (وَلَا طَٰٓئِرٍۢ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ)[الأنعام: ٣٨]. بحذف الألف . وألف (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا)[الأنعام: ١٢٣]. وألف (وَمِنْ ءَابَآئِهِمْ وَذُرِّيَّٰتِهِمْ)[الأنعام: ٨٧]. عن المصحف المدني كبقية المصاحف . وقوله : نشرا . أي ثبت واشتهر .
67 | وفالقُ الحبِّ عن خُلْفٍ وجاعلُ والْـ
|
كُوفِىُّ أنجيْتَنا فى تائِهِ اخْـتَصَرَا
|
أي : رسم في الأنعام (إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ ۖ)[الأنعام: ٩٥]. و (وَجَعَلَ ٱلَّيْلَ سَكَنًا) [الأنعام: ٩٦]. في بعض المصاحف بألف , وفي بعضها بدون ألف .
ورسم(لَّئِنْ أَنجَىٰنَا مِنْ هَٰذِهِۦ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّٰكِرِينَ)[الأنعام: ٦٣]. في المصحف الكوفي بحذف التاء , وفي بقية المصاحف بالياء والتاء والنون . ” أنجيتنا ” . وقوله : اختصرا . أي الكوفي اختصر حذف التاء .
68 | لدارُ شامٍ وقلْ أولادَهُم شُرَكَا
|
ئِهِمْ بياءٍ بهِ مَرْسُومُهُ نَصَرا ج |
أي : رسم في الأنعام (وَلَلدَّارُ ٱلْأَخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ)[الأنعام: ٣٢]. بلام واحدة في المصحف الشامي , وفي بقية المصاحف بلامين . كما رسم في المصحف الشامي(وَكَذَٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍۢ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَٰدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ)[الأنعام: ١٣٧ ]. بالياء , وفي بقية المصاحف (شُرَكَآؤُهُمْ)بالواو .
وقوله : مرسومه نصرا . أي رسم ” شركائهم ” بالياء نصر قراءة ابن عامر الشامي التي وقع الطعن فيها من بعض النحاة , وهي قراءة ثابتة صحيحة .
[1] ـ صحيح البخاري باب لا يشهد على شهادة جور ج 5 ص 587 , وباب فضائل أصحاب النبي e ج 7 ص 348 ـ صحيح مسلم باب فضل الصحابة ج 16 ص 73
[2] ـ أخرجه البخاري في فضائل القرآن
[3] ـ حجارة بيض رقاق . مختار الصحاح . للرازي ص 524
[4] ـ مختار الصحاح للرازي ص 58
[5] ـ مختار الصحاح للرازي ص 376