حكم التجويد

 تعلمه : أي العلم بقواعده وأحكامه ومسائله، فرض كفاية .

أما العمل به : أي تطبيق تلك القواعد والأحكام والمسائل أثناء التلاوة، ففرض عين .

 

ومعنى البيت: أي وأخذ القارئ بتجويد القرآن, وهو تحسين ألفاظه بإخراج الحروف من مخارجها وإعطاء الحروف حقوقها من صفاتها عن طريق التلقي على الشيوخ المهرة, فرض لازم وحتم دائم، ومن لم يتلق القرآن ويصححه على شيخ حافظ وضابط آثم كما جاء في بعض النسخ الصحيحة ” من لم يصحح القرآن آثم “, لأن التلقي سنة متبعة اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث تلقى القرآن بأحكامه عن جبريل عليه السلام مشافهة عن الله تعالى جل جلاله ، وتحقيقاً لصحة الإسناد .

 

28 لأَنَّـهُ   بِــهِ   الإِلَـهُ  أَنْـزَلاَ   وَهَـكَذَا  مِنْـهُ  إِلَيْـنَا  وَصَـلاَ

 

أي لأن الله أنزل في القرآن الأمر بالتجويد حيث قال: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) [المزمل: ٤].

والقرآن الكريم وصل إلينا مرتَّلاً ومجوداً عن طريق التواتر من الإلـٰه سبحانه وتعالى على لسان جبريل عليه السلام ببيان النبي صلى الله عليه وسلم وتعلم الصحابة ومن تبعهم ثم أتباعهم وهلم جرا إلى مشايخنا بوصف الترتيل المشتمل على التجويد .

 

29 وَهُـوَ  أَيْضاً حِــلْيَةُ  التِّـلاَوَةِ   وَزِيـنَـةُ   الأَدَاءِ   وَالْـقِـرَاءَةِ

 

أي والتجويد مع كونه حتم لازم إلا أنه حلية للتلاوة، والحلية بمعنى الزينة وإن كان أخص منها .

فائدة: الفرق بين التلاوة والأداء: أن التلاوة: هي قراءة القرآن قراءةً متتابعة كالدراسة والأوراد.

أما الأداء: فهو الأخذ والتلقي عن الشيوخ، وهنا يتضح قول الناظم في أول الباب : “والأخذ بالتجويد حتم لازم” والقراءة أعم منهما.

 

30 وَهُوَ إِعْـطَاءُ الْحُـرُوفِ حَقَّـهَا   مِـنْ صِفَـةٍ  لَهَا وَمُسْـتَحَقَّهَا

وهذا هو تعريف التجويد: وهو إعطاء الحروف بعد إحسان مخارجها حقها من الصفات المتقدمة من شدة واستعلاء وإطباق وقلقلة وغيرها، ومستحقها أي الصفات الناشئة من هذه الصفات كترقيق المستفل وتفخيم المستعل ونحو ذلك، ومستحق الحرف كذلك ما ينشأ من اجتماع بعض الحروف إلى بعض مما حكموا عليه بالإظهار والإدغام والإخفاء والقلب والغنة والمد والقصر والإمالات وأمثال ذلك، فالحق صفة لازمة للحرف، والمستحق صفة عارضة على الحرف .

 

 

31 وَرَدُّ  كُـلِّ  وَاحِـدٍ  لأَصْـلِـهِ   وَاللَّـفْظُ فِـي نَظِيـرِهِ كَمِـثْلِهِ

 

أي والتجويد هو رد كل حرف من الحروف إلى أصل مخرجه وحيِّزه .

واللفظ في نظيره كمثله من حيث أحكام التجويد ترقيقاً وتفخيماً وتشديداً ونحو ذلك من المدود والقصر، فمثلاً إذا قرأت بمد المنفصل حركتين فإنه يتعين عليك مد مثله حركتين, وكذلك المد العارض للسكون لا يقصر في موضع ويمد في موضع آخر، وذلك في مجلس الإقراء الواحد، أو في الصلاة الواحدة.

 

32 مُكَمَّـلاً  مِنْ  غَيْـرِ مَا تَكَـلُّفِ   بِاللُّـطْفِ فِـي النُّطْقِ بِلاَ تَعَسُّفِ

 

أي حال كون القارئ مكملا للحرف ما يستحقه من مخرج وصفات من غير تكلف ولا مشقة حتى يخرج اللفظ بلطف وسهولة بعيداً عن التعسف والتشدق من غير إفراط ولا تفريط .

 

33 وَلَيْـسَ بَيْـنَهُ وَ بَـيْنَ تَرْكِــهِ   إِلاَّ  رِيَـاضَةُ  امْرِئٍ    بِفَكِّــهِ

 

المعنى : وليس بين تجويد القرآن, وترك تجويده فرق إلا مداومة القارئ على التكرار وسماعه من ألفاظ المشايخ الحذا,ق لا مجرد اقتصار على النقل من الكتب ومذاكرتها، والمقصود من رياضة الفك هو اللسان لأنه عضلة إذا مرنته على المخارج والصفات وسائر أحكام التجويد تمرن عليها وألفها .

 

34 فَرَقِّـقَنْ مُسْـتَفِلاً مِـنْ  أَحْرُفِ   وَحاذِرَنْ  تَفْخِيمَ لَفْظِ  الأَلِـفِ ([1])

 

أي : رقق حروف الاستفال عند القراءة وهي ما عدا حروف الاستعلاء المجموعة في “خص ضغط قظ” فإنها مفخمة، فلا يجوز تفخيم شيء من حروف الاستفال إلا اللام من لفظ الجلالة الواقع قبلها فتح أو ضم، والراء على تفصيل سيأتي في باب الراءات .

وقوله: “وحاذرن تفخيم لفظ الألف” الواقع بعد حرف مستفل مثل : الصلاة، والطلاق وما شابه ذلك .

والحقيقة أن حرف الألف لا يوصف بترقيق ولا تفخيم, لأنه يتبع ما قبله فإن كان ما قبله حرف مستفل تبعه في الترقيق، وإن كان ما قبله حرف مستعل تبعه في التفخيم .

 

قال ابن الجزري في كتابه النشر: إن الألف إذا وقعت بعد حرف التفخيم تفخم اتباعاً لما قبلها نحو : “طال ، قال ، العصا ” لأن الألف لا حيّز لها حتى توصف بالترقيق والتفخيم فتكون تابعة لما اتصلت به … انتهى .

 

فائدة: أقول: ليس المقصود من قول الناظم: ” وحاذرن تفخيم لفظ الألف ” الألف اللينة التي تتبع الحرف فإن هذه تابعة لما قبلها تفخيماً وترقيقاً, وإنما المقصودة هي الألف التي تكون في صدارة الكلمة, والتي عليها همزة وصل أو همزة قطع, فإن هذه هي التي يقع فيها الإشكال عند النطق, مثل كلمة : ” الحمد، أعطى, أعوذ ” وغير ذلك، وإن كانت هذه تسمى همزة، إلا أنها لما رسمت على ألف قائمة نسبت إليه فيقال في همزة الوصل المرسومة على ألف: ألف الوصل. وكذلك في همزة القطع يقال: ألف القطع.

قال ابن الجزري في كتابه التمهيد في علم التجويد: الباب الخامس : في ذكر ألفات الوصل والقطع:

 

القسم الثاني: ألف الوصل، وتعرفها بسقوطها في الدرج، وبحذفها في أول المستقبل، وهي مبنية على ما قبل آخر المستقبل. إن كان مكسوراً أو مفتوحاً كسرت، وإن كان مضموماً ضمت. مثال المكسورة إذا كان الثالث مكسوراً “اهدنا” ، الدليل على أنها ألف وصل لأنها تحذف في الدرج، وتسقط في المستقبل في قولك: (هدى , يهدي)، فهذا ما يدل على أنها ألف وصل … انتهى.

 

فقد سمى الناظم رحمه الله همزة الوصل بألف الوصل.

 

وقد جاء في بعض النسخ الصحيحة : ” كهمز الحمد أعوذ اهدنا ” أي همزة الوصل وهمزة القطع التي تكون في صدارة الكلمة والتي على ألف .

وعلى هذا يجوز تقدير قول الناظم ” وحاذرن تفخيم لفظ الألف ” أي : ” وحاذرن تفخيم همز الألف، كهمز الحمد أعوذ اهدنا الله ” والله أعلم .

 

35 كهَمْـزِ ٱلْحَمْدُ  أَعُـوذُ  ٱهْدِنَا
ج
ج

  ٱللهُ،  ثُـمَّ   لاَمَ    للهِ    لَـنَـا

 

الهمزة مرققة في كل الأحوال لأنها حرف مستفل، وقد حذر الناظم من تفخيمها في الكلمات الأربعة:(الْحَمْدُ). .(أَعُوذُ)..(اهدِنَــــا)..(اللهُ) وما شابهها، وكيفية ترقيق الهمزة أو أي حرف مستفل أن تنطق به وأنت باسط للشفتين على هيئة المبتسم.

وكذلك حذر من تفخيم اللام من كلمة : (لِلَّهِ) المسبوقة بلام الجر ، ولام (لَنَا) من قوله: (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا) [البقرة: ٣٢] .   

 

36 وَلْيَتَلَطَّفْ  وَعَـلَى  اللهِ وَلاَ الضْـ   وَالْمِيمَ مِنْ مَخْمَصَةٍ وَمِـنْ مَرَضْ

 

أي : واحذر من تفخيم اللام من كلمة ( وليتلطف ) من قوله : (وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) [الكهف: ١٩] . وهي اللام الثانية لمجاورتها الطاء المستعلية، وكذلك حذر من تفخيم اللام من كلمة “وعلى الله”  في قوله:( وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: ١٢٢] . لمجاورتها لام لفظ الجلالة المفخم ، ولام و(لا) من (وَلاَ الضَّالِّينَ) [الفاتحة: ٧] . لمجاورتها الضاد المستعلية ، وذلك عند الوصل .

 

وكذلك حذر من تفخيم الميمين من كلمة ( مخمصة ) من قوله : (وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ)  [التوبة: ١٢٠] . والميم من كلمة ( مرض ) من قوله : (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً) [البقرة: ١٠] . لمجاورة الحروف المستعلية في الأولى والراء المفخمة في الثانية .

 

37 وَبَاءَ   بَرْقٍ، بَاطِلٍ ، بِهِمْ ، بِذِي   وَاحْرِصْ عَلَى الشِّدَّةِ وَالْجَهْرِ الَّذِي

 

أي : واحذر من تفخيم الباء في كلمة ( برق ) من قوله: (فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ) [البقرة: ١٩] . لمجاورتها الراء المفخمة ، وباء ( باطل ) من قوله : (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأعراف: ١٣٩] . لوجود الطاء المستعلية ، وكذلك باء (بِهِمْ)  من قوله:( اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ) [البقرة: ١٥] . و باء ( بذي ) من قوله :

(وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى)  [النساء: ٣٦] . لعموم الحكم .

 

فائدة: قوله: “واحرص على الشدة والجهر الذي فيها”, أي: مع كونك مرققا للباء في الكلمات المذكورة يجب عليك أن تحرص على وجود الشدة والجهر فيها, فترقيق الباء لا ينافي شدتها وجهرها, وتحصل الشدة بالضغط على الشفتين عند نطق الباء.

 

38 فِيهَا وَفِي الْجِيمِ كَحُبِّ ،الصَّبْرِ

  رَبْوَةٍ ،  اجْتُثَّتْ  ، وَحَجِّ  ، الْفَجْرِ

أي : احرص على صفتي الشدة والجهر الملازمتين للباء والجيم لئلا تشتبه الباء بالفاء والجيم بالشين ، وضرب لذلك أمثلة: (يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ) [البقرة: ١٦٥] . (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف: ٣٥] . ( كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) [البقرة: ٢٦٥] . (اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ) [إبراهيم: ٢٦] . (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ) [البقرة: ١٥٨] .( وَالْفَجْرِ) [الفجر: ١] . والمراد هذه الأمثلة, وأمثالها من الآيات .

 

 

39 وَبَيِّنَـنْ   مُقَلْـقِلاً   إِنْ  سَـكَنَا   وَ إِنْ  يَكُنْ  فِي  الْوَقْفِ كَانَ  أَبْيَنَا

أي : بين صفة القلقلة لحروف “قطب جد” إن كانت ساكنة حال الوصل ، نحو : (يقطعون ، وفطرة ، وربوة ، والفجر ، ويدخلون) في كلمة أو من كلمتين نحو : (وإن تعجب فعجب ، قد أفلح المؤمنون).

 

وقوله ” وإن يكن في الوقف كان أبينا ” أي : وإن وقفت على الحرف المقلقل حال كون الحرف آخر الكلمة كانت قلقلته أَبْيَن وأظهر, نحو: ( خلاق , ومحيط , وما كسب , وإخراج , والمهاد )، وإن كان حرف القلقلة مشدداً كانت أظهر من سابقتها نحو: ( وتبَّ ، الحقّ , والحجّ )، وقد سبق مراتب القلقلة عند باب الصفات.

 

40 وَحَاءَ حَصْحَصَ ، أَحَطْتُ، الْحَقُّ   وَسِينَ مُسْتَقِيمِ، يَسْطُو ، يَسْقُـو

 

أي : وبيّن ترقيق الحاء من كلمة ﴿حَصْحَصَ﴾، الأولى والثانية , من قوله : (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ)  [يوسف: ٥١] . والحاء من كلمة  ﴿أَحَطتُ﴾ من قوله : (فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ) [النمل: ٢٢] . و ﴿ﭐلْحَقُّ﴾، من قوله : (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَهُمْ) [البقرة: ٩١] . لمجاورتها حروف الاستعلاء المفخمة.

 

قال المصنف في كتابه النشر : والحاء تجب العناية بإظهارها إذا وقع بعدها مجانسها أو مقاربها لا سيما إذا سكنت, نحو 🙁 فَاصْفَحْ عَنْهُمْ)  [الزخرف: ٨٩] . (وَسَبِّحْهُ)  [الإنسان: ٢٦] . فكثيراً ما يقلبونها في الأول عيناً ويدغمونها، وكذلك يقلبون الهاء في (سبحه) حاءً لضعف الهاء وقوة الحاء، فيتحد بها فينطقون بحاء مشددة، وكل ذلك لا يجوز إجماعاً، وكذلك يجب الاعتناء بترقيقها إذا جاورها حرف الاستعلاء نحو : (أحطت ,  والحق) فإن اكتنفها حرفان كان التحفظ ببيانها وترقيقها أوجب, نحو : (حصحص )… انتهى.

 

قوله: “وسين مستقيم يسطو يسقو”, أي: بيّن صفة انفتاح السين واستفالتها لاسيما حال ضعفها بسكونها حتى لا تنقلب صاداً ، خاصة إذا جاورها حرف مستعل, مثل: ﴿مُسْتَقِيمٍ﴾ من قوله : (يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [البقرة: ١٤٢] .  و﴿يَسْطُونَ﴾ من قوله : (يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا) [الحج: ٧٢] . و﴿يَسْقُونَ﴾ من قوله : (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) [القصص: ٢٣].  لمجاورتهما الطاء والقاف، وكذلك أمثالها .

[1] ـ فائدة: لو قال : وحاذرن تفخيم همز الألف . لكان أولى , حيث أن المقصود هي الألف التي تكون في صدارة الكلمة , والتي عليها همزة وصل أو همزة قطع فإن هذه هي التي يقع فيها الإشكال عند النطق بها , وقد مثل لها في البيت الذي يليه . انظر الشرح في هذا الكتاب .