ترجمة ابن الجزري

هو أبو الخير شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف المعروف بابن الجَزَرِي، نسبةً إلى جزيرةِ ابن عمر قرب الموصل، ولد بعد صلاة التراويح من ليلة السبت يوم الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 751هـ .

نشأ ابن الجزري في دمشق، واشتغل بحفظ القرآن الكريم فأكمله في سنة 764هـ، وصلَّى به في السَّنة التي بعدها، ثم شرع في قراءة القراءات ودراسة كتبها على علماء بلدته.

 

وفي سنة 768هـ رحل إلى بلاد الحجاز لأداء فريضة الحج وانتفع بوجوده هناك, فقرأ على الشيخ عبد الله محمد بن صالح (ت 785) الخطيب والإمام بالمدينة الشريفة .

وبعد رحلة الحجاز تطلَّع ابن الجزري إلى مصر ليُكْمِلَ هناك تحصيله العلمي، فرحلَ إلى مصر ثلاث رحلات لطلب العلم، وسافر بعدها مرات كثيرة لأغراض مختلفة، فكانت رحلته الأولى إلى الديار المصرية سنة 769هـ، وكانت الثانية سنة 771هـ، والثالثة سنة 778هـ .

 

الْتَقَى ابن الجزري في هذه الرحلات بكبار علماء القراءات في القاهرة والإسكندرية وقرأ عليهم، ودرس الحديث والفقه والأصول والمعاني والبيان أثناء ذلك .

 

وأَذِنَ لابنِ الجَزَرِي غيرُ واحد من علماء عصره بالإفتاء والتدريس والإقراء، فقد أجازه وأَذِنَ له بالإفتاء شيخ الإسلام أبو الفداء إسماعيل ابن كثير سنة 774هـ .

 

وولي ابن الجزري من الوظائف العلمية في دمشق, فولي أثناء ذلك مشيخة الإقراء بالمدرسة العادلية، والمشيخة الكبرى بمدرسة أم الصالح، وجلس للإقراء تحت قُبَّةِ النِّسْرَ من الجامع الأموي سنين، كما ولي تدريس الصلاحية بالقدس، ثم أنشأ بدمشق مدرسة للقرآن سماها ( دار القرآن ) أقرأ الناس بها.

 

قبة النسر

 

وظلَّ ابنُ الجزري مقيما في بلاد الشام ويتردد إلى الديار المصرية حتى كانت سنة 798هـ فاضطر إلى مغادرتهما متجها إلى مدينة بورصة، بدار الملك العثماني بايزيد بن عثمان، وكان كما قال ابن حجر: من خيار ملوك الأرض، وكان مُهاباً يحب العلم والعلماء، ويُكرِم أهل القرآن.

 

وكان من تيسير الله تعالى على ابن الجزري أنه التَقَى هناك بتلميذ له يعرف “بشيخ حاجي” كان قد قرأ القرآن عليه في دمشق، فعرَّفَ الملكَ بمقداره، فعظَّمه وأكرمه، ورتَّب له في كل يوم مائتي درهم.

 

أقام ابن الجزري في بورصة، وأخذ عنه أهل تلك البلاد القراءات والحديث وانتفعوا به، ولم تمض على إقامة ابن الجزري في تلك البلاد إلا ست سنين وأشهر حتى نزلت بتلك البلاد موجةُ المغول الهمجية بقيادة تيمور لنك في أواخر سنة 804هـ، فخرج ابن الجزري مع الجيوش العثمانية التي خرجت لمواجهة المغول، وشهد الوقعة التي دارت بين الجيشين في سهل أنقرة، فكسر الجيش العثماني، ووقع الملك بايزيد في الأسر ومات في أسره، ووقع ابن الجزري كذلك أسيراً في أيدي المغول.

وأُحضر ابن الجزري عند تيمور لنك فأطلقه من أسره، وأكرمه لاشتهاره بعلم القراءات، ولكنه احتمله معه حينما عاد راجعاً إلى بلاد ما وراء النهر، وأنزله مدينة كش، فكان بها وبمدينة سمرقند.

وظلَّ ابن الجزري مقيما في بلاد ما وراء النهر حتى مات تيمور لنك، وهنا وَجَدَ ابن الجزري فرصة لخروجه من تلك البلاد، فسار متجهاً غرباً ماراً بكثير من المدن، حتى وصل إلى شيراز في رمضان سنة 808هـ، فأمسكه بها سلطانها بير محمد بن صاحبها أمير عمر، فقرأ عليه جماعةٌ كثيرون، ثم ألزمه صاحبها بير محمد بالقضاء بها.

وأقام ابن الجزري بشيراز مُكرهاً في بادئ الأمر، ومختاراً في الختام, وأنشأ هناك مدرسة تعرف باسم ( دار القرآن ) على غرار مدرسته التي أنشأها في الشام.

 

وقد نزل ابن الجزري (عنيزة ) سنة 822 هـ , وهو في طريقه إلى الحج, ثم آوَى إليها بعد أن تعرض له طائفة من قُطَّاع الطرق, ومَكَثَ فيها عاماً كاملاً, ليحج في السنة التي تليها, ونظم فيها منظومته ( الدرة المضية في القراءات الثلاث المتممة للعشر المرضيَّة) والتي قال فيها:

 

غَرِيبَةُ أَوْطَــانٍ بِنَجْـدٍ نَظَمْتُـهَـا             وَعُظْمُ اشْتَغَالِ البَـالِ وَافٍ وَكَيْفَ لَا

صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَزَوْرِيَ الْـ      مَقَامَ الشَّرِيفَ الْمُصْطَفَى أَشْرَفَ الْمَـلَا

وَطَوَّقَنِي الْأَعْـرَابُ بِاللَّيْــلِ غَفْـلَةً            فَمَا تَرَكُــوا شَيْئًا وَكِـدتُّ لِأُقْتَـلَا

فَـأَدْرَكَنِي اللُّطْفُ الْخَــفِيُّ وَرَدَّنِي             عُنَيْـزَةَ حَتَّى جَــاءَنِي مَنْ تَكَفَّـلَا

بِحَمْـلِي وَإِيصَـالِي لِطَيْبــةَ آمِـنًا              فَيَـا رَبِّ بَلِّـغْنِي مـُرَادِي وَسَهِّـلَا

وَمُنَّ بِجَمْعِ الشَّمْــلِ وَاغْفِرْ ذُنُـوبَنَا         وَصَـلِّ عَلَى خَيْرِ الْأَنَـامِ وَمَنْ تَــلَا

وظل يقرئ القراءات ويدرِّس ويؤلف إلى أن مات رحمه الله تعالى ، وكانت منيَّته في شيراز قبيل ظهر يوم الجمعة خامس ربيع الأول سنة 833 هـ بمنزله من سوق الإسكافيين, ودفن بمدرسته التي أنشأها فيها.

 

مؤلفاته :

 

كان ابن الجزري غزير الإنتاج في شتى ميادين العلوم الشرعية، وإن كان علم القراءات هو العلم الذي اشتهر به وغلب عليه.

 

فمن مؤلفاته :

إتحاف المهرة في تتمة العشرة، أصول القراءات، إعانة المهرة في الزيادة على العشرة، الاهتدا إلى معرفة الوقف والابتدا، تحبير التيسير في القراءات العشر، التمهيد في علم التجويد، الدرة المضية في القراءات الثلاث، طيبة النشر في القراءات العشر، المقدمة فيما على قارئ القرآن أن يعلمه، منجد المقرئين ومرشد الطالبين، نهاية البررة فيما زاد على العشرة, هداية البررة في تتمة العشرة، الهداية في علوم الرواية، الجوهرة في النحو، ذات الشفا في سيرة النبي ثم الخلفا , وألف غير ذلك في التفسير والحديث والفقه والعربية .

رحم الله ابن الجزري وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. ([1])

[1] –  تراجع ترجمته في : إنباء الغمر بأبناء العمر ابن حجر العسقلاني 2 / 82 .